من يتحكم بالإنترنت؟ - غسان حزين - الرأي الأردنية - 8-2-2002

 

ديمقراطية أم فوضى ؟

من يتحكم بالإنترنت؟

 

 تبدو الشبكة لمتصفحها الجديد على درجة عالية من التشتت والتعقيد، وربما يقترح، إن كان إصلاحياً بطبعه، أن كل ما تحتاجه هذه المواقع وهؤلاء المتصفحين هو بعض التنظيم.

   بالمقابل، لا تبدو الشبكة كذلك للمتمرسين، فهي نظم مدروسة، مبنية على معادلات رقمية رياضية لا تقبل الجدال، أي أن الخطأ لن يكون منها، بل من الإنسان الذي لا يجيد ذات لغة الأرقام المستخدمة بين حاسبات الشبكة. فللمستخدمين لغتهم الظاهرية من أحرف وأرقام تظهر على الشاشة، وللحاسبات لغاتها الخاصة بها، من لغات برمجة وبروتوكولات لتبادل الأنظمة.

   الصنف الأول يصر على إيجاد منظم، والثاني يصر على أنها منظمة ذاتياً، أي أن ذلك المنظم الذي يطالب به الجدد على الشبكة كان موجوداً، وقام بوضع الأسس الأولية لها ثم غادر موقعه، تاركاً الشبكة في دور الحاكم والمحكوم. هي من تفرض القوانين وهي ذاتها من تنفذها. وما على المستخدم إلا اتباع طرق معينة، تكون واضحة لهم، ما يسهل عليهم التعامل مع كل ما يتعلق بها.

   النظام إذاً يبدو وكأنه غير موجود، وذلك لطبيعة الشبكة، فهي تتعامل مع الصفحات بطريقة غير منتظمة.

 

هل النظام هو المطلوب ؟

   قد لا يبدو النظام مطلوباً دائماً على الشبكة، فنادراً ما يخطئ مستخدم في كيفية استخدامها وتصفحها، ما يؤكد لمن يطالبون بإيجاد نظام جديد للشبكة أن أمر نظامها ليس مشكلة. ثم إن هذه الطريقة الجديدة للتصفح ولأخذ المعلومات ونشرها واحدة من الأسباب المهمة التي أدت لانتشار الشبكة بهذه السرعة. فلو كانت الشبكة تعتمد طريقة التصفح العادية، لما اكتسبت هذا القدر من الاهتمام أبداً، فهل سيكون هناك فرق بين الكتاب والشبكة في هذه الحالة ؟ ولو أن البريد الإلكتروني كان بطيئاً كالبريد العادي، لما اهتم به أحد، فالسرعة والمجانية، هي الأسباب الرئيسة المؤدية لاهتمام المستخدمين بالبريد الإلكتروني وتفضيلهم إياه على نظيره العادي. هذا قد يعطي المستخدم فكرة عن الأسباب المؤدية لانتشار الشبكة، وتفوق خدماتها الإلكترونية على نظيراتها الموجودة ضمن عالمنا الواقعي. إلا أن هذا كله لا يثني عزم "الإصلاحيين" عن تأكيد رغبتهم بإيجاد طرق أفضل وأكثر سلاسة للتعامل مع الشبكة.

 

ومن يتحكم بها ؟..

   "لتعرف محتويات الشبكة، استعرض أدلتها". لا بد أنك سمعت هذه الجملة من خبراء في استعمال الشبكة. ولأنك إنسان محترم، لابد وأنك استمعت جيداً لهذه النصيحة وقمت بتنفيذها بحذافيرها. وبينما أنت تنفذ هذه النصيحة لابد وأن تتساءل، من يرتب هذه المعلومات ؟ ومن يضع موقع "ياهو" في المقدمة على حساب "ام اس ان" ؟ ومن وضع هذين الموقعين في المقدمة أصلاً على حساب ملايين المواقع الأخرى الموجودة على الشبكة ؟ أسئلتك –التي ربما لا تخلو من بعض الخبث- لن تنتهي، و إجاباتها ستبقى مجهولة.

  عندما تقوم بعملية البحث على الشبكة ستظهر لك المواقع مرتبة وفق الأكثر موافقة لكلمة البحث. ولكن ما أدراك أن هذا فعلاً ما يحدث ؟ جرب البحث عن كلمات معينة، سترى أن بعض المواقع المتضمنة نتائج البحث لا علاقة مباشرة لها مع كلمة البحث المطلوبة. فما علاقة شركة سياحة وسفر بما تبحث عنه من معلومات عن البتراء ؟.

   بعض المواقع تقوم بالإعلان ضمن الصفحة ذاتها التي تظهر عليها نتائج بحثك، وبطريقة تجعلك تظن أنها نتيجة من نتائج البحث، أي أنها تكون إعلانات نصية خالية من الصور، وموضوعة بطريقة عرضية إلى جانب النتائج الأخرى، و متضمنة كلمات تجعلك تظن أنها تتحدث عما تصبو إليه.

   مواقع أخرى تقوم بدفع نقود لمحركات البحث، مقابل وضع اسم مواقعها ضمن النتائج الأولى للبحث على كلمات معينة تختارها أنت. وبهذا تقل حدة التنافس بين المواقع، ويصبح أمر إيجاد نتائج خاطئة وغير دقيقة أكبر.

 

ديمقراطية أم فوضى ؟

   يمكنك عبر الشبكة، اتخاذ معلوماتك من المصدر الذي تريد. فما من أحد يجبرك على تصفح موقع لا تريده، إلا جودة الموقع نفسه. وفي ذات الوقت، لا يمكن لأحد أن يمنعك من أن تنشر ما تريد على الشبكة. فلو كنت كاتباً مغموراً ولا يوجد أي ناشر يجرؤ على نشر إبداعاتك وتوزيعها، قم أنت بهذا الدور، وابن لنفسك موقعاً على الشبكة، واكتب كل ما تريد، فلا رقابة ولا من يحزنون. فأنت تكتب والزوار يقرأون. ما عليك معرفته هو وجوب التزامك بحقوق الملكية الفكرية، والنشر والتوزيع .. الخ، فلو قمت بنشر أغان كاملة وبطريقة غير مشروعة فأنت وحدك الذي سوف يتحمل عواقب هذا. وما عليك معرفته أيضاً أن احتمال عدم الاكتراث بك وبإبداعاتك المتناثرة في موقعك وارد، فمن سيهتم بك وأنت تملك موقعاً عادياً، والملايين غيرك أيضاً عندهم هذا، وملايين أخرى تملك مواقع أفضل، وبضع مئات يملكون المواقع الشهيرة، والطرق المناسبة لنشرها وتسويقها وجعلها وجهة الزائر الدائمة؟.

      أنت عندما تستخدم الشبكة، وتتصفح المواقع، لابد وأنك تحمل فكرة مسبقة عن كل هذا، وإلا فأنت سوف تضيع وقتك ولن تجد ما تريد. فأنت تعرف أنك للأخبار سوف دخل موقعاً معيناً، وللدردشة موقعا آخر، وللتسلية كذلك، وهكذا. من صنع فكرتك المسبقة عن هذا كله ؟ حجم الإعلانات أم حجم الزوار ؟ أم نتائج البحث التي قد لا تكون صحيحة ؟. قس الفائدة المستقاة من تصفحك موقع هيئة الإذاعة البريطانية، كمصدر للأخبار، وموقع شخصي آخر يقوم بتحديث بياناته مرة كل أسبوع، بالتأكيد سوف تتجه نحو الموقع الأول، فهو موقع متعدد اللغات، يمكنك من قراءة الأخبار والاستماع لآخر نشرات الأخبار، ويقوم بتحديث بياناته علة مدار الساعة. أما الثاني، فما الذي ستجنيه من تصفحه غير ازدرائك له ولمصممه الذي لم يقم إلا بإضافة موقع جديد للشبكة المتخمة بالمواقع.

   هل هذه هي الديمقراطية ؟ أم أنها الفوضى ؟ أم أن الشبكة جعلت الديمقراطية فوضى  والفوضى ديمقراطية ؟.

 

  عودة

 

 

 

 

 

 

الصفحة الرئيسة
تعليم
نصائح
قضايا
برامج
مواقع
طرائف
تواصل
English